صالح سلامة
لم يكن الأديب الألماني الأشهر يوهان فولفانغ غوته شاعراً وحسب، بل مؤلفاً مسرحياً وروائياً وعالماً. وكما تقول د. هيلدغارد شتاوسبرغ المحررة في الصحيفة الألمانية المرموقة " فرانكفورتر.." ورئيسة تحرير برامج إذاعة "صوت ألمانيا": في حياته المديدة تعلم غوته وعلم كثيراً، وعاش اشكاليات الإبداع والسلطة والمجد والحب والسعادة والألم، وتماهت هذه يتلك حتى ليتساءل المرء؛ هل كتب غوته أشعاراً أم أن حياته قد كانت قصيدة طويلة؟. وهل صاغ النصوص المسرحية أم كانت حياته دراما حافلة بالقضايا والشخصيات والأحداث؟. ويعتبر غوته من أهم أدباء ألمانيا قاطبة فهو من الذين لعبوا دوراً كبيراً في تطوير اللغة الألمانية المعاصرة من خلال أعماله الشعرية والنثرية. وأشهر أعماله (فاوست) وهو عمل طور فيه غوته إحدى الملحمات الشعبية القديمة إلى عمل جديد عكس بها أفكاره الجمالية والفلسفية متأثراً بأفكار لعدة أدباء أهمهم الإنكليزي ويليام شكسبير.
ولا تزال الأفكار القائلة بأن غوته قد اعتنق الإسلام وأُعجب كثيراً بمبادئ الدين الإسلامي موضع خلاف بين المفكرين الألمان المسلمين منهم والمسـيحيين. ووفقاً للوثائق التاريخية فقد درس غوته السيرة النبوية بكاملها وقـواعد اللغة العربية والـشعر العربي ونظم جلسات لقراءة الـقرآن في أحد قصور الدوق الألماني، كما شـوهد وهو يشارك في صـلاة الجمعة من شهر كانون الثاني في عام 1814 مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين التابعين لحكومة روسيا القيصرية آنذاك. وتشير الوثائق ذاتها والتحليلات لأعمال أمير الشعراء الألمان غوته وأفكاره إلى أنه كان معجباً بالإسلام ولاسيما شخصية النبي محمد(ص) وبالأفكار الإسلامية ذات الطابع الصوفي.
تقول أستاذة الأدب الألماني كاتارينا موفزن في كتابها (غوته والعالم العربي) أن كتاب (ألف ليلة وليلة) قد ترك أثراً عميقاً على غوته، الذي استمع إلى حكاياته وهو طفلاً وقرأها في سنواته الأخيرة بشغف كبير. ولم يكتف باستلهام الشكل الفني الحكائي فيها وإنما تأثر أيضاً بشخصياتها ومضامينها، ففي مسرحيته الأولى (نزوة العاشق) التي كتبها وهو في السابعة عشر من عمره، لم يكتفِ باسم (أمينة) من إحدى حكايات (ألف ليلة وليلة) وإنما مضمون وهدف القصة أيضاً.
وكان لقاء غوته مع المفكر الكبير هردر في ستراسبورغ سنة 1770 ذا أثر كبير على اهتمامه بالثقافة العربية إذ لفت هردر انتباه الشاعر الشاب إلى الشعر العربي وأسدى إليه النصح في التعمق بدراسة القرآن. وفي عام 1819 صدرت الطبعة الأولى من كتاب غوته (الديوان الشرقي الغربي) حيث كلف غوته المستشرق سنفستر دو ساسي ترجمة العنوان إلى اللغة العربية وليس إلى الفارسية، كما يشير البعض، وهكذا ظهر على غلاف الديوان العنوان التالي (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي) إلى جانب العنوان باللغة الألمانية، كما ترجم دو ساسي، إلى العربية، الثيمة الشعرية التي كتبها غوته، وهي:" يا أيها الكاتب سر إلى سيدنا الأعز، فسلم عليه بهذه الورقة التي هي أول الكتاب وآخره، يعني في المشرق وآخره في المغرب". وفي عام 1819 اهتدى غوته إلى الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي وأعجب بأشعاره كثيراً، كما قرأ لشعراء آخرين منهم؛ الفردوسي، وجلال الدين الرومي والسعدي، واهتم أيضاً بالشعر الجاهلي، وقرأ من شعراء الجاهلية: امرئ القيس وعنترة بن شداد وعمر بن كلثوم وطرفة بن العبد.
ويقول غوته في مذكراته التي كتبها عام 1817 إنه حاول دائباً تعلم (الخط الشرقي) الذي سحره بجماله وذلك لتجاوز العقبات اللغوية ولكي يقترب أيضاً من روح اللغة العربية. وقد قسم غوته ديوانه (الديوان الشرقي الغربي) إلى اثني عشر قسماً هي:" الشادي، حافظ، الحق، التأمل، الحزن، الحكمة، تيمور، زليخة، الساقي، الأمثال، الفارسي والفردوسي".
ومن أهم الأفكار التي توصل إليها غوته هي فكرة فساد الدنيا مقابل أبدية الله، ففي قسم الحكمة يظهر مدى احترام الشاعر للإسلام، إذ يقول:" يا لحماقة البشر عندما/ يصر كل منهم على رأيه/ إذا كان الإسلام معناه/ أن نسلم أمرنا لله فعلى/ الإسلام نعيش ونموت/ .. كلنا). وقد أدرك غوته أن موضوعات (الديوان الشرقي الغربي) غريبة على القارئ الألماني فألحق بالديوان فصلاً ضخماً يتضمن معلومات قيمة عن مواضيع الديوان وعن الشعر الفارسي والأدب العربي كي يفهم القارئ قصائده فهماً أفضل. هذا وقد قرأ الشاعر غوته القرآن الكريم مرات عديدة وأعجب به إعجاباً شديداً، إذ وصفه قائلاً:" تعاليم تفصيلية عن المرغوبات والمحظورات، وحكايات رائعة مستقاة من اليهودية والمسيحية يغلب عليها الإسهاب والاستطراد، وتكرار وإطناب لا حد لهما، هذه هي السمات الرئيسية للقرآن الذي يجعلنا ـ كلما قرأنا فيه ـ نشعر بالنفور في البداية ولكنه سرعان ما يجذبنا إليه، ثم يصيبنا بالدهشة، ولا يسعنا في النهاية إلا النظر إليه بإكبار وإجلال. وأسلوب القرآن ملائم تماماً لمضمونه وفرائضه: قوي بليغ، وفي بعض المواضع رفيع سام. لا عجب إذاً أن يكون للكتاب هذا التأثير العظيم".
أما عن المعلقات الجاهلية فهو يبدي إعجابه بها في رسالة كتبها لأحد أصدقائه سنة 1783 يخبره فيها عن ظهور الترجمة الإنكليزية للمعلقات. ويعلن عن نيته في ترجمة هذه القصائد إلى الألمانية بالاشتراك مع المفكر الألماني هردر، وفي العام ذاته أنجز غوته الترجمة الأولى لمعلقة امرئ القيس الشهيرة "قفا نبكِ.." وربما لم تكن معلقة امرئ القيس المذكورة هي القصيدة الوحيدة التي ترجمها غوته إلى اللغة الألمانية، إذ يقول:" لقد قمت بترجمة عدة قصائد من المعلقات فور ظهورها باللغة الإنكليزية". ويسمي غوته الأشعار الجاهلية بـ(الكنوز الرائعة) ويقول: إن هذه الأشعار توضح لنا مكانة الثقافة العالية التي كانت قبيلة قريش تنعم بها.
يختلف بعض المفكرين الألمان المسلمين والمسيحيين حول ما إذا كان غوته قد اعتنق الإسلام لإعجابه الكبير بمبادئ الدين الإسلامي. وقد راحت مؤخراً إحدى الجماعات الإسلامية الألمانية التي تطلق على نفسها مجموعة (فايمر) نسبة لمدينة فايمر الشرقية التي أطلقت منها المجموعة تدلل على اعتناق غوته الإسلام بعدة براهين وأدلة تاريخية من خلال تحليل أعماله الأدبية والفلسفية التي كتبها على امتداد حياته الطويلة. في حين أشار أحد المهتمين بأدب غوته أن ذلك ضرب من المبالغة وأن إعجابه بالإسلام لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنقه. وقال رئيس مجموعة (فايمر) أبو بكر ريجر في حديث لوكالة (كونا/الكويتية): أن غوته كتب مجموعة أعمال شعرية وضح فيها إعجابه بالإسلام لا سيما بشخصية الرسول محمد(ص) وبالأفكار الإسلامية ذات المنحى الصوفي.
وأضاف ريجر ـ وهو مسلم أماني سمى نفسه بالحاج أبو بكر تيمناً بأول خلفاء المسلمين ـ أن غوته الذي يعد أكبر شاعر ألماني عرفه تاريخ ألمانيا، كان يسعى إلى تعلم اللغة العربية ليقترب من الإسلام، واهتم كثيراً بدراسة الاستشراق بغرض التعرف على هذه الثقافة التي يعد الإسلام ركيزتها الأساسية. وقال: إن غوته كان يحاول أن يكتب بالعربية بنفسه من خلال التمرين الذاتي أو شراء مجموعة من أعمال الخط العربي للرومي ولحافظ وغيرهما. كما درس السيرة النبوية بكاملها وقواعد اللغة العربية والشعر العربي ومجموعة مختارة من الأدب العربي، إضافة إلى دراسة أعمال المفكر الإسلامي حافظ من خلال كتابه الشهير (الديوان).
وأضاف بأن الأدلة التي تعكس موقف غوته من الإسلام أو من اعتناقه له هي أنه كان ينظم جلسات لقراءة القرآن الكريم في أحد قصور الدوق الألماني، وتبادله لوجهات النظر مع المستشرقين الألمان حول الإسلام. ووفقاً للوثائق التاريخية فإن غوته لم يُشاهد وهو يداوم الصلاة أو يصوم أو يحج بيت الله الحرام أو يؤدي الزكاة، غير أنه شارك في صلاة الجمعة في شهر يناير/كانون الثاني من عام 1814 في مسقط رأسه في مدينة فايمر وهو يصلي مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين.
وأضاف ريجر: ان إعجاب غوته بالإسلام قد انعكس على أعماله الأدبية حيث تطغى عليها أفكار (الوحدة الإلهية) وهي جوهر الإسلام الذي اعتمد على الإيمان بفكرة المطلق وهو الله عز جلاله. وقد وصف غوته دعوة النبي محمد(ص) بأنها كنهر بدأ كجدول صغير ثم تدرج حجمه ليتحول إلى نهر كبير يحمل في طياته تعاليم جديدة للبشرية جمعاء. وأشار إلى أن غوته قد كتب عدة رسائل يوضح فيها إعجابه بالإسلام لا سيما مع أدباء وفلاسفة ألمان مثل الشاعر فريدريك شيلر أحد أكبر أدباء ألمانيا في تلك الحقبة.
وقال أيضاً: بأن غوته يعتقد ببعض الأفكار الإسلامية مثل فكرة (القَدر) وهي فكرة من جوهر الإسلام تعتمد على الإيمان بالقضاء والقدر وأن ليس هناك أي مجال للصدفة وأن كل شيء مكتوب. وذكر بأن (مجموعة فايمر الإسلامية) قد أصدرت حكماً بأن غوته اعتنق الإسلام وأنه كان مسلماً. وقال: أن غوته قد نطق الشهادتين وهذا يكفي وفقاً لمبادئ الإسلام، وأن غوته مسلماً بما تحمل الكلمة من معنى فقد ذكر أكثر من مرة الشهادتين في أعماله الأدبية وقد جاء ذلك بسبب اعتقاده وإيمانه بها. وأكد: بأن غـوته كان متشككاً ببعض أركان الدين المسيحي مـثل؛ رمز الصليب، وعُـرف عنه أنـه كان يـرفض رفضاً تاماً فـكرة الصـليب الـمسيحي.
ومن جانبها قالت البروفسورة آنا ماري شيمل، وهي متخصصة بالعلوم الإسلامية وأستاذة سابقة في جامعة بون حول حكم جماعة فايمر الإسلامية باعتناق غوته الإسلام لكون بعض المفكرين الألمان قد صدمتهم هذه فكرة إصدار حكم تاريخي يقضي باعتناق غوته الإسلام وفقاً لأدلة وبراهين تاريخية استساغتها هذه الجماعة الإسلامية لتصل لهدفها وهو أن غوته قد مات مسلماً.
وأضافت شيمل الحاصلة على جائزة السلام الألمانية: إن من هؤلاء المفكرين الذين وقفوا ضد هذه الفكرة هي العالمة كاترينا ممزين وهي باحثة متخصصة في شؤون أدب غوته وأنها رفضت بحزم فكرة اعتناقه للإسلام. وقالت: أن فكرة غوته ضد الصليب هي صحيحة ولكن موقفه من الدين المسيحي ككل لم يكن موقفاً سلبياً. وحول ولعه بجمع الأعمال الفنية الخاصة بالخطوط الإسلامية، قالت شيمل: إن هذه الأعمال كانت تعكس خطوطاً باللغة الفارسية وكان غوته يهواها من منطلق فني وجمالي وليس رغبة بتعلم الكتابة، كما أنها لم تكن خطوط عربية.
وقالت شيمل ـ وهي مؤلفة عدة كتب عن الإسلام أشهرها كتاب (محمد ونبوته)1981 وكتاب (الإسلام)1990 ـ إن غوته كان معجباً بالإسلام بصورة تتجاوز الرؤية المتعارف عليها عن الآلام في أوربا وفي ألماني إذ أن الإسلام كان بمثابة فكر جديد وغريب على الشعوب الأوربية.
وحول نطق غوته الشهادتين قالت شيمل إنها تعتقد بأن ذلك مبالغ فيه. مبينة أن ما كتبه غوته حول ذلك لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنق الإسلام.. وأن كتابته بعض الأشعار حول الإسلام مثل قوله:" يكون المرء مسلماً عندما يُسخر حياته ومماته للإسلام" لا تعني بالضرورة أنه قد دخل الإسلام مبينة أن في إطار هذا البيت الشعري فإن الكل مسلم إذ أن الفكرة تعكس أن البشر تحت إمرة الله، وهي فكرة عامة تؤمن بها كل الأديان السماوية.
وأضافت: من الصعب أن نقول بأن غوته قد اعتنق الإسلام ولكن يمكننا أن نسمي غوته بـ(عبد الله) إي أنه خادم رب العالمين وهي مستساغة أكثر، إذ أن غوته كان وبلا شك متعاطف مع الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق