من هيروشيما إلى ناغازاكي:
توجهت أنظار العلماء والباحثين نحو الإشعاع النووي منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي عندما تمكّن الزوجان، بيار وماري، كوري من اكتشاف عنصر الراديوم، وقد تركّزت تلك الأنظار أكثر مع إطلاق العالِم الألماني آينشتين لنظريته النسبية، في الربع الأول من القرن العشرين الميلادي.
ولما كانت نظرية آينشتين قد تحدثت عن إمكانية تحول المادة إلى طاقة رهيبة مدمرة، فقد سال لعاب عسكريي دول العالم آنذاك لهذه الفكرة، وجعلوا جلّ اهتمامهم في الحصول على السلاح النووي الفتّاك الذي سيمكّنهم من السيطرة على العالم.
تقول المصادر التاريخية إن ألمانيا النازية، وبإشراف مباشر من أدولف هتلر، كان لها قصب السبق في إنشاء مراكز فعلية للتجارب النووية.
وتتابع المصادر أن دول الحلفاء، وخصوصاً أميركا، قامت بالقضاء على تلك المراكز في عمليات استخبارية معقدة، وقاموا أيضاً بإغراء العلماء العاملين هناك، وشجّعوهم على السفر إلى أميركا، وقاموا بتهريبهم.
لما وصل هؤلاء العلماء إلى أميركا أنشىء لهم حقل تجارب نووي وبدأوا بتجاربهم التي مكّنت الولايات المتحدة من امتلاك السلاح النووي في العام 1945م، لتصبح بذلك أول دولة تضم هذا السلاح الرهيب إلى ترسانتها العسكرية.
هيـروشـيما
كما يعلم معظم الناس، فإن السلاح النووي استعمل مرتين، وكانت أولاهما، وهي الأكثر شهرة، في مدينة هيروشيما اليابانية التي أبيدت في السادس من آب/أغسطس من عام 1945م، عندما ألقى عليها سلاح الطيران الأمريكي قنبلة نووية معبّأة باليورانيوم تزن أكثر من 4,5 طن، وكان الأمريكيون قد أطلقوا على تلك القنبلة إسماً رمزياً هو "الولد الصغير Little Boy"، ألقيت تلك القنبلة في وسط مدينة هيروشيما، عند الساعة الثامنة والربع من صباح ذلك اليوم من ارتفاع 1980قدم.
تحوّلت المدينة بعد ثوانٍ إلى كومة من اللهب العملاق تأكل الأخضر واليابس، وتبيد البشر والحجر، في أكبر تفجير عملاني معروف حتى ذلك الوقت، أسفر عن سقوط حوالي سبعين ألف قتيل ومثلهم من الجرحى الذين مات معظمهم لاحقاً متأثرين بالتسمّم الإشعاعي.
تقول سيدة نجت من تلك المذبحة "كان عمري 12 عاماً، وكان ذلك اليوم صحواً... فجأة رأيت صاعقة من البرق أو ما يشبه عشرات الآلاف الصواعق تومض في لحظة واحدة، ثم دوّى انفجار هائل، وفجأة ساد المكان ظلام تام، عندما أفقت وجدت شعري ذابلاً، وملابسي ممزّقة، وكان جلدي يتساقط عن جسدي، ولحمي ظاهر وعظامي مكشوفة.
الجميع كان يعاني من حروق شديدة، وكانوا يبكون ويصرخون ويسيرون على وجوههم وكأنهم طابور من الأشباح.
لقد غطّى مدينتنا ظلام دامس بعد أن كانت منذ قليل تعجّ بالحياة، فالحقول احترقت ولم يعد ثمة ما يذكرنا بالحياة".
ما تزال تلك السيدة حية حتى الآن، وأجريت لها خمس عشرة عملية تجميل لإصلاح وجهها الذي تشوّه بشدة، لكنها تقول: "إني محظوظة لمجرد بقائي على قيد الحياة".
نـاغـازاكـي
في التاسع من آب/أغسطس من عام 1945م عُوملت مدينة ناغازاكي مثل مدينة هيروشيما، مع الفارق أن القنبلة هذه المرة كانت محشوة بالبلوتونيوم، واسمها الرمزي هو "الرجل السمين Fat Man"، وقد ألقيت تلك القنبلة تقريباً في وسط المدينة لتبيد غالبية سكانها والبالغ عددهم ما بين 380 إلى 420 ألفاً.
...اختلف الخبراء في تقويم الفعل الأمريكي هذا، فبعضهم أيّد وجهة النظر الأمريكية التي قالت إن إلقاء القنابل سارع في إنهاء الحرب العالمية، ووفّر ملايين القتلى على البشرية.
ويرى آخرون إن هذا مجرد تبرير غير منطقي، إذ يرون أن الحرب كانت تضع أوزارها، ولن تطول مدتها كثيراً، وما قامت به أميركا ليس سوى عرض عضلات أرادت من ورائه أن تلقي هيبتها وتفرض سيطرتها على العالم.
والآن...
يعجّ العالم بالسلاح النووي، الذي انتشر في مختلف القارات، وتنامت قدراته التدميرية بشكل غير معهود، ما يجعل مستقبل الإنسانية على "كفّ عفريت" كما يقال.
فهل من صحوةٍ قبل الواقعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق