* رشيد بداوي: باحث في العلاقات الأورومتوسطية ( محيط )
قبيل نهاية الألفية الثانية عاشت المجتمعات البشرية على إيقاع انهيار المعسكر السوفياتي، وحينذاك هب الكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين وكبار المنظرين والفلاسفة والمؤرخين ومعهم بعض الصحفيين إلى استصدار مواقف متباينة فيما يخص التطورات اللاحقة لهذا الحدث الكبير.
ونشرت جريدة financial Times مقال لجيمس مورغان جاء فيه" أن انهيار المعسكر السوفياتي قد ترك المجال شاغرا أمام صندوق النقد الدولي ومجموعة السبعة الكبار G7 للتحكم في العالم وخلق مرحلة إمبريالية جديدة... وإن إقامة نظام عالمي جديد هي صنيعة السبعة الكبار وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية. غير أن هذا النظام يعمل ضمن نسق غير مباشر للحكم... "
لسنا هنا بحاجة إلى إعادة تقرير هذه المسلمة التي أصبحت بديهية لدى العام والخاص، ولكن بديهي أن نقيم بينها، كعلاقة جديدة تربط هذه البنيات الاجتماعية، وبين الفئات الاجتماعية في إطار البلدان السائرة في طريق النمو، مقاربة واضحة من أجل استكشاف الانعكاسات الإيجابية والسلبية التي أدت إلى بروز ظواهر اجتماعية طفت على السطح من دون أية مقاومة، وطبيعي جدا أن يهب عدد ليس بالهين من المتتبعين للشؤون العامة لهذه البلدان إلى دق ناقوس الخطر، بعد إعلانها عبر وسائل الإعلام.
إلا أن ترتيب هذه البنيات الاجتماعية ضمن هذا التنسيق الجديد في إطار نظام عالمي جديد، كلف وسيكلف القوة العظمى والقوى الثانوية الكثير من الحروب لإعادة ترتيب هذه الأقاليم وفق متطلبات السوق الجديدة، مما سينعكس على مستوى العلاقات الدولية بإفراز تكتلات اقتصادية وبالتالي سياسية تسعى إلى المساهمة في هذا الترتيب، هذه التكتلات الاقتصادية التي تتطور ضمن قوانين المنافسة التجارية الحرة والمضاربات المالية القوية، أفرزت بشكل أو بآخر، بتوجيه من المؤسسات المالية الكبرى تحالفات متنوعة من أجل البقاء على المصالح للكثير من المقاولين في نفس الوقت الذي أطاحت فيه بالعديد من المؤسسات الاقتصادية في عالمي المال والأعمال (شركات، معامل، مصانع...
هذه الوضعية الجديدة التي زلزلت كل البنى المتخلفة، واكبت التطور غير المسبوق لوسائل الاتصال السمعية البصرية ووسائل الإعلام والمعلوميات بشكل عام، والذي ساعد على تحقيق سرعة الانتقال في الحين إلى متابعة هذه التشوهات الجديدة التي يلحقها التطور العولمي في اتجاه تحقيق ما تصبو إليه القوى العظمى المعاصرة، كما واكبت في نفس الوقت الاستهانة بكل القيم والقوانين الدولية المساعدة على إبقاء ظروف الحوار والتواصل الدولي مفتوحا للعموم؛ من دونه لا يمكن للبشرية جمعاء أن تنعم بالأمن والسلام الدوليين؛ في إطار مؤسسات دولية (الأمم المتحدة، مجلس الأمن...) تحترم فيها السيادة الدولية لكل الأمم.
في ظل هذه الشروط الدولية، نمت الكثير من العلاقات بين الدول المتقاربة خاصة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهكذا برزت إلى الوجود تكتلات أورومتوسطية، احتوت العديد من البلدان المطلة على البحر جنوبا أو شمالا أو شرقا بما في ذلك إسرائيل التي لم يكن لها وجود دولي من ذي قبل إلا في منتصف القرن الماضي. هذه التكتلات الدولية لم تأت إلا استجابة للعديد من المطالب في إطار المصالح المشتركة، مؤطرة ضمن الحوار الحضاري بين شعوب تلك البلدان في محاولة لإقناع العديد من الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين للإنخراط في العديد من الأوراش الاقتصادية والسياسية والثقافية للإجابة عن العديد من الظواهر الاجتماعية التي استفحلت تباعا، كنتائج لهذه التطورات الرأسمالية (الهجرة السرية، الجريمة المنظمة، المخدرات، الإرهاب الدولي...).
التحرك الأوربي في جنوب المتوسط تحكمه الرؤية القائمة على أن المنطقة تمثل مجموعة من التحديات الثقافية والحضارية ,التحديات الاجتماعية ( تنامي ظاهرة الهجرة السرية والجريمة المنظمة) التحديات الأمنية ( الإرهاب العابر للحدود، تبييض الأموال وتجارة المخدرات) وتحديات البيئية( تلوث البحر الأبيض المتوسط ، نذرة المياه الصالحة للشرب الخ) وتحديات خارجية والمتمثلة في المنافسة الأمريكية على المنطقة.
كل هذه التحديات دفعت بالاتحاد الأوربي إلى البحث عن آليات جديدة للتعاون والشراكة مع الدول المتوسطية جسدها مشروع برشلونة ( 27 – 28 نوفمبر 1995) مشروع حولت من خلاله الاتحاد الأوربي الانتقال من إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الذي كانت تضبطه البروتوكولات المالية في إطار ثنائي إلى شراكة إستراتيجية شاملة مبنية على ثلاثة أبعاد أساسية ( البعد السياسي ، البعد الاقتصاد والبعد الاجتماعي) واعتمد الاتحاد في تمويل هذه الشراكة على برامج ميدا I و II( المساعدات الأوربية لدول المتوسط).
عرف هذا البرنامج عدة عراقيل تقنية ولم يرق للنتائج الواقعية بسبب توجه مركز اهتمام السياسة الأوربية نحو التحديات الأمنية ( محاربة الهجرة السرية والجريمة المنظمة والإرهاب) بالإضافة الى الوصاية المالية التي يمارسها الإتحاد على دول الجنوب وفرض شروط قاسية لتمويل المشاريع وربطها بالتقدم في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
من جهة أخرى فقد ضاعف من معوقات الشراكة الأوربية المتوسطية زيادة اهتمام الاتحاد الأوربي بالتوسع في شرق أوربا خصوصا بعد انضمام عشر دول سنة 2004 على حساب الدول المتوسطية وتعثر الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الضفة الجنوبية للمتوسط والثقل البيروقراطي وعجز هذه الدول على تقديم مشاريع ذات مصداقية.
وما زاد من تعقيد الشراكة اعتماد دول الاتحاد الأوربي سياسة حمائية على منتجاتها الزراعية بالإضافة إلى التنافس الحاد بين دول الجنوب خاصة في الصناعات النسيجية والألبسة.
فرغم الانجازات والتقدم الحاصل في الشراكة فقد عجزت عن انجاز الأفاق التي حددها إعلان برشلونة في أبعاده الثلاث .
على العموم فأغلب التقييمات سواء من طرف خبراء الجنوب أو الشمال لمسلسل برشلونة أظهرت الكثير من المعوقات التي تحول دون إتمام الأهداف المعلن عنها في برشلونة 1995 ، مما جعل دول الاتحاد الأوربي تستنجد بالسياسة الجديدة من اجل استكمال التجربة بدمج دول الحوض المتوسط في السياسة الجوارية الأوربية قصد انجاز الإصلاحات الداخلية المنشودة داخل هذه الدول بحيث تشترط دول الاتحاد من الدول التي تريد المشاركة في برامجها واخذ نصيبها داخل السوق الأوربية ضرورة احترام القيم السياسية ، وفي الأخير يحاول الاتحاد الأوربي إعادة بناء العلاقات بتغيير التسميات من "مسار برشلونة" إلى " الاتحاد من اجل المتوسط".
ونشرت جريدة financial Times مقال لجيمس مورغان جاء فيه" أن انهيار المعسكر السوفياتي قد ترك المجال شاغرا أمام صندوق النقد الدولي ومجموعة السبعة الكبار G7 للتحكم في العالم وخلق مرحلة إمبريالية جديدة... وإن إقامة نظام عالمي جديد هي صنيعة السبعة الكبار وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية. غير أن هذا النظام يعمل ضمن نسق غير مباشر للحكم... "
لسنا هنا بحاجة إلى إعادة تقرير هذه المسلمة التي أصبحت بديهية لدى العام والخاص، ولكن بديهي أن نقيم بينها، كعلاقة جديدة تربط هذه البنيات الاجتماعية، وبين الفئات الاجتماعية في إطار البلدان السائرة في طريق النمو، مقاربة واضحة من أجل استكشاف الانعكاسات الإيجابية والسلبية التي أدت إلى بروز ظواهر اجتماعية طفت على السطح من دون أية مقاومة، وطبيعي جدا أن يهب عدد ليس بالهين من المتتبعين للشؤون العامة لهذه البلدان إلى دق ناقوس الخطر، بعد إعلانها عبر وسائل الإعلام.
إلا أن ترتيب هذه البنيات الاجتماعية ضمن هذا التنسيق الجديد في إطار نظام عالمي جديد، كلف وسيكلف القوة العظمى والقوى الثانوية الكثير من الحروب لإعادة ترتيب هذه الأقاليم وفق متطلبات السوق الجديدة، مما سينعكس على مستوى العلاقات الدولية بإفراز تكتلات اقتصادية وبالتالي سياسية تسعى إلى المساهمة في هذا الترتيب، هذه التكتلات الاقتصادية التي تتطور ضمن قوانين المنافسة التجارية الحرة والمضاربات المالية القوية، أفرزت بشكل أو بآخر، بتوجيه من المؤسسات المالية الكبرى تحالفات متنوعة من أجل البقاء على المصالح للكثير من المقاولين في نفس الوقت الذي أطاحت فيه بالعديد من المؤسسات الاقتصادية في عالمي المال والأعمال (شركات، معامل، مصانع...
هذه الوضعية الجديدة التي زلزلت كل البنى المتخلفة، واكبت التطور غير المسبوق لوسائل الاتصال السمعية البصرية ووسائل الإعلام والمعلوميات بشكل عام، والذي ساعد على تحقيق سرعة الانتقال في الحين إلى متابعة هذه التشوهات الجديدة التي يلحقها التطور العولمي في اتجاه تحقيق ما تصبو إليه القوى العظمى المعاصرة، كما واكبت في نفس الوقت الاستهانة بكل القيم والقوانين الدولية المساعدة على إبقاء ظروف الحوار والتواصل الدولي مفتوحا للعموم؛ من دونه لا يمكن للبشرية جمعاء أن تنعم بالأمن والسلام الدوليين؛ في إطار مؤسسات دولية (الأمم المتحدة، مجلس الأمن...) تحترم فيها السيادة الدولية لكل الأمم.
في ظل هذه الشروط الدولية، نمت الكثير من العلاقات بين الدول المتقاربة خاصة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وهكذا برزت إلى الوجود تكتلات أورومتوسطية، احتوت العديد من البلدان المطلة على البحر جنوبا أو شمالا أو شرقا بما في ذلك إسرائيل التي لم يكن لها وجود دولي من ذي قبل إلا في منتصف القرن الماضي. هذه التكتلات الدولية لم تأت إلا استجابة للعديد من المطالب في إطار المصالح المشتركة، مؤطرة ضمن الحوار الحضاري بين شعوب تلك البلدان في محاولة لإقناع العديد من الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين للإنخراط في العديد من الأوراش الاقتصادية والسياسية والثقافية للإجابة عن العديد من الظواهر الاجتماعية التي استفحلت تباعا، كنتائج لهذه التطورات الرأسمالية (الهجرة السرية، الجريمة المنظمة، المخدرات، الإرهاب الدولي...).
التحرك الأوربي في جنوب المتوسط تحكمه الرؤية القائمة على أن المنطقة تمثل مجموعة من التحديات الثقافية والحضارية ,التحديات الاجتماعية ( تنامي ظاهرة الهجرة السرية والجريمة المنظمة) التحديات الأمنية ( الإرهاب العابر للحدود، تبييض الأموال وتجارة المخدرات) وتحديات البيئية( تلوث البحر الأبيض المتوسط ، نذرة المياه الصالحة للشرب الخ) وتحديات خارجية والمتمثلة في المنافسة الأمريكية على المنطقة.
كل هذه التحديات دفعت بالاتحاد الأوربي إلى البحث عن آليات جديدة للتعاون والشراكة مع الدول المتوسطية جسدها مشروع برشلونة ( 27 – 28 نوفمبر 1995) مشروع حولت من خلاله الاتحاد الأوربي الانتقال من إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الذي كانت تضبطه البروتوكولات المالية في إطار ثنائي إلى شراكة إستراتيجية شاملة مبنية على ثلاثة أبعاد أساسية ( البعد السياسي ، البعد الاقتصاد والبعد الاجتماعي) واعتمد الاتحاد في تمويل هذه الشراكة على برامج ميدا I و II( المساعدات الأوربية لدول المتوسط).
عرف هذا البرنامج عدة عراقيل تقنية ولم يرق للنتائج الواقعية بسبب توجه مركز اهتمام السياسة الأوربية نحو التحديات الأمنية ( محاربة الهجرة السرية والجريمة المنظمة والإرهاب) بالإضافة الى الوصاية المالية التي يمارسها الإتحاد على دول الجنوب وفرض شروط قاسية لتمويل المشاريع وربطها بالتقدم في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
من جهة أخرى فقد ضاعف من معوقات الشراكة الأوربية المتوسطية زيادة اهتمام الاتحاد الأوربي بالتوسع في شرق أوربا خصوصا بعد انضمام عشر دول سنة 2004 على حساب الدول المتوسطية وتعثر الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الضفة الجنوبية للمتوسط والثقل البيروقراطي وعجز هذه الدول على تقديم مشاريع ذات مصداقية.
وما زاد من تعقيد الشراكة اعتماد دول الاتحاد الأوربي سياسة حمائية على منتجاتها الزراعية بالإضافة إلى التنافس الحاد بين دول الجنوب خاصة في الصناعات النسيجية والألبسة.
فرغم الانجازات والتقدم الحاصل في الشراكة فقد عجزت عن انجاز الأفاق التي حددها إعلان برشلونة في أبعاده الثلاث .
على العموم فأغلب التقييمات سواء من طرف خبراء الجنوب أو الشمال لمسلسل برشلونة أظهرت الكثير من المعوقات التي تحول دون إتمام الأهداف المعلن عنها في برشلونة 1995 ، مما جعل دول الاتحاد الأوربي تستنجد بالسياسة الجديدة من اجل استكمال التجربة بدمج دول الحوض المتوسط في السياسة الجوارية الأوربية قصد انجاز الإصلاحات الداخلية المنشودة داخل هذه الدول بحيث تشترط دول الاتحاد من الدول التي تريد المشاركة في برامجها واخذ نصيبها داخل السوق الأوربية ضرورة احترام القيم السياسية ، وفي الأخير يحاول الاتحاد الأوربي إعادة بناء العلاقات بتغيير التسميات من "مسار برشلونة" إلى " الاتحاد من اجل المتوسط".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق